أظهرت السنوات العشر الأخيرة نوعاً من المشكلات الاجتماعية والسلوكيات التي كان المجتمع يستنكر حدوثها وممارستها, وهناك أصابع اتهام كثيرة تشير إلى العولمة بمفهومها السائد وما حملته حضارة الاتصال من ثقافات وأفكار أثرت على المنظومة الاجتماعية لدينا , وأدت إلى تراجع قيم متوارثة عبر ثقافات شعبية مثل »العيب والحلال والحرام« وهناك من يرى أن تخلي الناس عن فكرة الحلال والحرام أدى إلى انتشار الغش والكذب والسرقة وغيرها من المشكلات الاجتماعية.
وهناك أيضاً العديد من التيارات الفكرية التي حاربت كلمة عيب ونظرت إليها بأنها السبب في الحد من قدرات الشخص ومنعه من ممارسة حريته.
وفي موضوعنا هذا أردنا أن نسأل هل هناك علاقة بين تراجع فكرة العيب وثقافة الحلال والحرام وبين ما نشهده اليوم من مظاهر سلبية وسلوكيات طالت الحياة العامة للناس?.
قيم أقوى من القانون
الدكتور أحمد الأصفر استاذ في علم الاجتماع قال:إن ما وصل إليه المجتمع من انحلال وتفكك في كثير من مفاصله يعود لافتقاد القيم,وفي ظل العولمة المادية الاستهلاكية وما تقدمه محطات الأغاني وبعض الفضائيات الحالية من برامج استهلاكية ربحية لا نتوقع حلاً لأي مشكلة اجتماعية, فهناك الكثير من التلاعب والالتفاف حول مفهوم القيم وعلى سبيل المثال الكذب كقيمة سيئة, يروج له اليوم أنه شطارة وفلهوة وموضوع الزنا الذي كان من الكبائر ويعاقب عليه المجتمع أشد العقوبات هو اليوم منتشر تحت اسم المرأة الثانية في حياة الرجل, وكذلك الرشوة التي أصبحت إكرامية, وأعتقد أن هناك خطورة كبيرة على المجتمع عندما ستتطور هذه الظواهر لتصل إلى 50% بين سلوكيات وتصرفات الأفراد, وأعتقد أيضاًأإن هناك روابط هامة بين كلمة عيب التي كانت أقوى من القانون في العرف الاجتماعي وبين تراجع القيم, والمجتمع بأغلب فئاته وشرائحه كان يسير وفق اعتبارين »العيب , الحلال« الاعتبار الأول مرتبط بالعديد من القيم الأخلاقية »تدقيق النظر إلى المرأة, التنصت على الجيران , رمي الأوساخ في الشارع, ضرب الزوجة, مقاطعة الأهل, كلها سلوكيات تلغى أمام كلمة عيب.
وكذلك التلاعب في الميزان والسرقة واستغلال حاجة الآخرين كان حراماً والخ من المشكلات الاجتماعية التي نلامسها اليوم بسبب افتقاد القيم وباختصار كان هناك توافق بين حياة الناس وبين النظام الاجتماعي ,وللأسف إننا نشهد الآن تغيراً كبيراً لبعض المفاهيم ونسعى إلى تقليد وتمثل نمط الحياة الغربي دون أن نغير بالأنظمة الاجتماعية المرتبطة بهذا التقليد.
اعتبارات غير كافية
الدكتورة رشا شعبان مديرة البحوث العلمية في وزارة التربية في سؤالنا لها حول رأيها في البدائل التي تقوم السلوك بعد تراجع ثقافة العيب والحرام?.
قالت: يجب أن يكون سلوك الأفراد نابعاً من القيم الأخلاقية التي تربوا عليها كجزء من سلوكهم , كأن يفعل الفرد من أجل الخير لا خوفاً من العقوبة أو من ثقافة مجتمعية معينة, وهذا يعني أن ثقافة العيب أو الحرام ليست كافية لكي تحمي المجتمع, هي عبارة عن نظم ومعايير كان للتربية دور كبير في زرعها وترسيخها لدى المجتمع حيث كانت الأسرة هي المرجعية الوحيدة في التربية. لكن اليوم أصبحت مشكلة القيمة الأخلاقية أصعب لأن هناك العديد من المؤسسات التي تدخلت في تربية القيم »الفضائيات, التقانة والانترنت« ونحن اليوم أمام جيل جديد فمن الغباء تعليمه القيمة الاجتماعية بالطريقة ذاتها التي نحن تعلمناها بل يجب استخدام منهجية معينة »الحوار« الإقناع والتي أهم وسيلة لها هي القدوة » أن نتمثل نحن الكبار هذه القيم«.
لا خوف من المجتمع
وتقول: يجب ألا يكذب ابني خوفاً من المجتمع أو من منطلق الحرام والعيب, بل يجب أن يقتنع أن الكذب قيمة أخلاقية تنعكس على المجتمع ككل وعليه هو كفرد في المجتمع ويجب أن يعرف سلبيات كل قيمة ونتائجها عليه وعلى الآخرين ومن هنا نضمن أن القيمة تنبع من الإحساس بأهميتها لا خوفاً من المجتمع أو رقابة الناس.
فهناك فرق بين ابتعاد ابني عن تعاطي المخدرات لأنها ظاهرة سلبية وبين أن يبتعد عنها خوفاً مني.
فتمثل القيمة من تلقاء نفسه هذا يعني أنه فد عرفها ومارسها سلوكاً .
البدائل
وترى شعبان: إن الإرادة الحرة في ممارسة القيمة هي التي تضمن استمراريتها وليس الخوف من العيب, ونحن نعلم أن القيمة الاجتماعية تصح في كل زمان ومكان »القتل, السرقة, الكذب« كل الأديان والشرائع تقر بأنها سلوكيات خاطئة وكذلك كل المجتمعات.
وبالتالي الوسائل الحالية لتمثل القيم يجب أن تكون عن طريق المناقشة والحوار وتمثل القيمة من قبل الأهل , والتركيز على المناهج التربوية والتوجيه الإعلامي الصحيح, وبناء قدرات الأفراد وتمكين الأسرة من كافة النواحي الاقتصادية والتعليمية, ولكن تستطيع أن تكون القدوة وتغرس القيمة بشكلها الصحيح
موضوع: العيب والحرام .. هل يردع السلوكيات 
2008-07-19, 21:46
