منتدى قرية الصومعة
اهلا بك عزيزي الزائر
لكي تتمكن من مشاهدة جميع محتويات المنتدى يجب عليك التسجيل
هناك الكثير من المواضيع الشيقة و الممتعة التي لا تظهر الا عند التسجيل
مع تحيات ادارة و اعضاء منتدى قرى صافيتا
منتدى قرية الصومعة
اهلا بك عزيزي الزائر
لكي تتمكن من مشاهدة جميع محتويات المنتدى يجب عليك التسجيل
هناك الكثير من المواضيع الشيقة و الممتعة التي لا تظهر الا عند التسجيل
مع تحيات ادارة و اعضاء منتدى قرى صافيتا
منتدى قرية الصومعة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى قرية الصومعة


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شهداء 6 ايار .. وايام "سفر برلك"‬

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
DMM
مشرف عام
مشرف عام
DMM


ذكر
عدد الرسائل : 1869
العمر : 47
مزاجي : شهداء 6 ايار .. وايام "سفر برلك"‬ S3eed10
سمعة العضو : 103
نقاط : 121884
تاريخ التسجيل : 17/11/2007

شهداء 6 ايار .. وايام "سفر برلك"‬ Empty
مُساهمةموضوع: شهداء 6 ايار .. وايام "سفر برلك"‬   شهداء 6 ايار .. وايام "سفر برلك"‬ I_icon_minitime2010-05-06, 16:01

" وإياكم والحزن، لأني أكره الحزن والحزانى، وثقوا بأن روحي ترفرف دائماً فوقكم فأرى كل حركة من حركاتكم، فأراكم ولا ترونني، فإذا حزنتم أهرب من عندكم، وإياكم أن تغيروا ثيابكم أو عادة من عاداتكم .. "

كانت هذه جملة مقتبسة من وصية الشهيد رفيق رزق سلوم ، كتبها قبيل اعدامه في 6 ايار من العام 1916.

وهو واحد من 7 شهداء اعدموا في دمشق و 14 اعدموا في بيروت في ذات اليوم وكان جمال باشا السفاح قد اعدم قبلا في 21 أب ايضا في بيروت 11 شهيد ، ليبلغ عدد الشهداء الذين اعدموا ضمن قوافل الشهداء 32 شهيد.

وبالطبع لم يكن هذا هو العدد الاجمالي ، فقد شهد العامان 1915 و 1916 سلسلة من عمليات الاغتيال والاعدام مثلما كان في مصير الخوري يوسف الحايك الذي اعدم في 22 آذار عام 1912 ، ونخلة مطران الذي اغتيل في نيسان من العام ذاته ، والشهيدان الشقيقان فيليب وفريد الخازن اللذان اعدما بعد ان اعلن السفاح انتهاء اعمال الاعدام في 6 ايار ، فتم اعدامهما في حزيران 1916.

وهكذا نحتفل في كل عام في مثل هذا اليوم بعيد الشهداء وربما معظمنا لا يعلم لماذا تم اختيار هذا اليوم ومن هم هؤلاء الشهداء الذين استشهدوا فيه وكيف .. ولماذا؟

الدول العربية جميعها لم تكن موجودة بحدودها الحالية في بداية القرن العشرين ، وكانت عبارة عن ولايات تابعة للدولة العثمانية.

كما نعلم بان الدولة العثمانية حكمت في المنطقة العربية ما قارب الاربع قرون ، الا ان سلطتها وقوتها تراجعت تدريجيا في القرن الاخير ، وشارفت في بداية القرن العشرين على النهاية وبدأت بالتقهقر.

وكانت الدول الغربية ، فرنسا ، بريطانيا ، المانيا ، بشكل اساسي ، ويمكن ان نضيف اليهم روسيا وايطاليا ، لهم مطامع كبيرة في منطقتنا وبالتالي بدأت بتنفيذ سياسات وخطط تضمن لها التواجد والنفوذ بعد انهيار الدولة العثمانية.

وبدأت في تلك الحقبة بعض الشخصيات العربية بلعب دور في تشكيل الوعي لما بعد انهيار الدولة باتجاه اعلان استقلال الدولة العربية.

وساهمت هذه الشخصيات بطريقة او باخرى من خلال العمل السياسي و المجتمعي و الفكري ، في تشكيل الرؤية لما بعد الدولة العثمانية باتجاه الاستقلال وتشكيل دولة عربية مستقلة.

اعمال هؤلاء والجهود التي بذلوها جاءت في ظرف تاريخي صعب للغاية وحالك وربما لم تشهد المنطقة عبر تاريخها اسوأ من تلك الفترة التي انتهى فيها حكم الدولة العثمانية لبلادنا.

الحرب العالمية الاولى ، المجاعة ، والوباء ، اسباب قضت مجتمعة على حياة مئات الالاف من سكان المنطقة ، زاد عليها حكم طاغية مستبد هو جمال باشا الشهير بالسفاح قائد الجيش العثماني الرابع ، وواحد من الشخصيات الثلاث التي حكمت فعليا في عهد حزب الاتحاد والترقي الى جانب ( انور وطلعت).

السفاح كان وراء اعدام العشرات من خيرة شباب العرب ، الذين يمكن اعتبارهم بحق البذرة التي انبتت ونمت وشكلت واقعنا الحالي ، و كانوا حقيقة رمزا لآلام المخاض لولادتنا ، ورغم اهمية كل ما تبع تلك الولادة من احداث هامة في النصف الاول من القرن العشرين فان الحكاية ، في رأيي الخاص ، قد بدأت من هنا من لحظة اعدام هؤلاء الرجال.

هذا في الاطار العام ، اما اذا دخلنا في التفاصيل فاننا سنجدها تراجيديا حقيقية مؤثرة ، مازال صداها مسموعاً الى يومنا هذا.

غادر قطار خاص "عاليه" في ولاية "بيروت" المنطقة التي اقيمت فيها المحاكم الميدانية الصورية للشهداء ، في الخامس من شهر أيار سنة 1916 وكان يقل كل من شفيق المؤيد العظم ، عبد الحميد الزهراوي،الأمير عمر الجزائري، شكري العسلي، عبد الوهاب الانكليزي، رفيق رزق سلوم ورشدي الشمعة.

حيث حمل القطار أولئك الشهداء الأبطال تحت حراسة شديدة من الجند ولما وصلوا إلى منطقة رياق التقوا بالقطار الذي ينقل عائلاتهم إلى المنافي في الأناضول وكما جاء في كثير من كتب التاريخ والسير الذاتية والمذكرات وصف لهذا المشهد المؤثر عندما خاطبت عائلات الشهداء ذويهم و"الدموع تنهمر من العيون وحسرات القلب تتأجج وتختلج في الصدور وكان مشهد اللقاء و الوداع مؤلما مريرا يفتت الأكباد.." ، افترق القطاران ، بحسب الرواية ، من "رياق" إلى حلب و دمشق.

ولما وصل دمشق إلى محطة البرامكة منع الجند الناس من الوقوف هناك ثم نقلوا المحكوم عليهم إلى دائرة الشرطة في الليل واحضروا احد الشيوخ يؤهلهم للموت ويعزيهم .

وفي الساعة الثالثة من صباح يوم السبت الواقع في 4رجب سنة 1334 الموافق لليوم السادس من شهر أيار سنة 1916 أنيرت ساحة الإعدام بالأنوار الكهربائية وأمرت السلطة السيد الشماس صاحب مقهى زهرة دمشق إنارة مصابيح المقهى لتسطع بأنوارها على الساحة .

جيء بالمحكوم عليهم في ثياب الإعدام البيضاء وعلى صدورهم خلاصة الحكم وبدئ بالتنفيذ أولا بشفيق المؤيد العظم ثم بعبد الحميد الزهراوي وقد انقطع الحبل به فرفعوه وعلقوه مرة ثانية بعد أن شدوا رجليه شدا قويا وجيء بعده بالأمير عمر الجزائري ثم شكري العسلي ولما جاء دور التنفيذ بعبد الوهاب الانكليزي امسك به الجند لشدة بأسه ومراسه وقد أمعن هو في اللعن والشتم، حيال مظالمهم وفظائعهم ، ثم جيء بالسيد رفيق سلوم وانتهوا برشدي الشمعة.

وبحسب كتاب " شهداء الحرب العالمية الكبرى " لأدهم الجندي فقد كان جمال باشا يشاهد في شرفة بناية احمد عزة العابد التي صادرتها السلطات العسكرية التركية تنفيذ أحكام الإعدام و"حشرجة أرواح فريق من رجالات العرب الذين قضوا مضاجع الاتحاديين في البرلمان التركي بمواقفهم المشهورة" .

وفي الوقت الذي لبست به دمشق و البلاد العربية أثواب الحداد أسى ولوعة على أبنائها انطلق "السفاح جمال في ذلك اليوم المشؤوم الى قرية ( الخيارة ) في غوطة دمشق فنقلت ثلاث عربات بعض النساء إلى هذه القرية حيث قضين النهار في نشوة خمر وغناء ورقص .. ثم عاد الجميع في المساء يجولون في الأسواق حاملين باقات من الزهر رمزا لذلك الانتصار المشين بإعدام أحرار العرب ".

ولم يكتف السفاح بأعمال الاغتيال والاعدام التي بدأها منذ العام 1915 وانما تم ايضا تنفيذ أحكام النفي بزهاء ثلاثمائة أسرة من خير الأسر العربية في سورية ولبنان وقد بدأ ترحيل المنفيين في شهر نيسان سنة 1916 إلى الأناضول حيث وزعوا في مدنه وقراه بين قونيه وانقره وديار بكر وبروسه واضنه وسيواس.

كما ذكرنا بان هذه الاعدامات لم تكن سوى جزء من السوء الذي عاشه اهلنا في تلك الحقبة السوداء من الزمن ، وان القارئ لكتب التاريخ التي تتضمن وصفا للحياة العامة للبلاد العربية في هذه الحقبة سيقف مذهولا لهول الاحداث وبشاعة المشهد.

مجاعة تقضي على مئات الآلاف ، وقصص مروعة تم تناقلها عن مشاهدات لأطفال ماتت في الشوارع ونهشتها الكلاب ، عن رجال اكلت نسائها ، نتيجة الحصار ومصادرات جمال باشا لكل المواد الغذائية وسحب الرجال الى الخدمة العسكرية.

وشاءت الاقدار بان تجتاح البلاد الامراض وتذهب الكوليرا بحياة الآلاف ، بطش ، جوع وحرب ووباء ، اكثر من ثلاث سنوات مرت وحفرت عميقا في ذاكرة السوريين انها ايام "سفر برلك".

اللحظات الاخيرة في حياة الشهداء الذين اعدموا في بيروت

لم تقتصر الاعدامات التي نفذت في 6 آيار على دمشق فقد علق على اعواد المشانق في نفس التوقيت في ساحة البرج في بيروت فجر يوم السبت السادس من شهر أيار سنة 1916 م وعددهم لربعة عشر شهيدا وهذه أسماءهم حسب تسلسل إعدامهم :

1. باترو باولي

2. جرجي الحداد

3. سعيد عقل

4. عمر حمد

5. عبد الغني العريسي

6. الأمير عارف الشهابي

7. الشيخ احمد طبارة

8. محمد الشنطي اليافي

9. توفيق البساط

10. سيف الدين الخطيب

11. علي محمد حاج عمر النشاشيبي

12. محمود جلال البخاري

13. سليم الجزائري

14. أمين لطفي الحافظ



ونوردد لكم فيما يلي تفاصيل لحظاتهم الاخيرة كما جاءت في كتاب "شهداء الحرب العالمية الكبرى لآدهم الجندي".

اللحظات الأخيرة في حياة الشهداء

وفي الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل حانت ساعة الموت ،فدخل الجند وطلبوا الشهداء: سعيد عقل ،وباترو باولي ،وجرجي الحداد ،وسيقوا مكبلين بالأغلال إلى ساحة الإعدام ، وقام الطبيب يفحص أجسامهم ،وتلى ضابط الديوان العرفي نص الحكم الصادر بالإعدام .

وصعد الشهيد بترو باولي من تلقاء نفسه إلى منصة المشنقة ،ورفس الكرسي برجله فهوى وقضى نحبه

ثم صعد بعده الشهيد جرجي الحداد ، ورفس الكرسي ببسالة ، وجاء دور سعيد عقل ،فتقدم رابط الجأش وأوصى الطبيب أن يشدّ جسده بكل قوة عند تعليقه ، لأن خفة جسمه تمنع انقطاع حبل حياته بسرعة .

ثم جاء الجند بثلاثة آخرين وهم : الشهداء عمر حمد ، وعبد الغني العريسي والأمير عارف الشهابي .

وأكد الذين حضروا تنفيذ أحكام الإعدام ، أن الشهيد عمر حمد منذ خرج من دائرة الشرطة إلى ساحة الإعدام ما انفك ينشد نشيده العربي الذي تناقلته الركبان وهو ( شبوا على الخصم اللدود نار الوغى ذات الوقود ) وهو يهدر كالأسد الهصور ، ولما وقف على منصة الإعدام ، تكلم باللغة الفرنسية ليفهمها الأتراك ، وقد ندّد بسياستهم ، فاشمئز منه الجلاد وركل الكرسي من تحته قبل أن يمكن الحبل من عنقه ، فانقطع الحبل ، وهوى إلى الأرض وهو بين حي وميت ، فتقدم منه ذلك الجلاد الوحش ، فاستل سيفه وطعنه به لاعناً شاتماً ، ثم حمله مع زبانيته وأعاد وضع الحبل في عنقه ، والدم ينزف بغزارة من جرح بليغ أصابه في رأسه عند وقوعه . ومن جراح طعنة سيف الجلاد .

وجاء دور الشهيد عبد الغني العريسي ، وأراد أن يتكلم فأسرع الجلاد اللئيم إلى وضع الحبل في عنقه ، وهوى الكرسي من تحته فقضى .

وعجل الجلاد بإعدام الأمير عارف الشهابي فلم يدعه يتكلم ، وجيء بعد ذلك بالشهيد الشيخ أحمد طبارة ومحمد الشنطي اليافي ، وعلقوهما وظل الجند يقودون الشهداء اثنين اثنين إلى أعواد المشانق ، حتى جاء دور الشهيد توفيق البساط ، فوصل إلى ساحة الإعدام ، وقد لاح الفجر بأنواره يكشف حلك الليل ، فسار مسرعاً ثابت الجنان إلى المشنقة وهو يتكلم ، فوضع الحبل في عنقه ورفس الكرسي فأهوى ومات .

وسأل رضا باشا رجال الشرطة وقال : من بقي عندكم من المحكومين فأجابوه : الضابطان سليم الجزائري وأمين لطفي الحافظ ،وكانا كلاهما من كبار أركان حرب الجيش العثماني ، فلما سمع رضا باشا باسم الضابطين ، دخل مسرعاً إلى دار الشرطة وقابل الشهيدين هناك ، ودامت المقابلة نصف ساعة ، وخلالها كان الشهيد الجريء أمين لطفي الحافظ يتكلم بلهجة قوية مع رضا باشا ويقول له : كيف حكم علينا الديوان العرفي دون تحقيق ، ولم يسألونا ، أهذا هو جزاء خدماتنا للدولة .

واخيراً قال لهما رضا باشا ، سأخبر القيادة العليا بشأن العفو عنكما ، وجلس حالاً إلى الهاتف ، وطلب جمال باشا ، فأجيب أنه متغيب ، وأن وكيله فخري باشا موجود وحده في القيادة ، فطلب محادثته ، ودامت المخابرة عشرة دقائق ، حاول رضا باشا في أثنائها أن يحصل على العفو عن الشهيدين بصفتهما من كبار ضباط الجيش ، غير أن الجواب كان يرن بوق الهاتف بهذه الكلمة (غير ممكن ) ولما يئس رضا باشا ، التفت إلى سليم الجزائري ، وقال له متأثراً ، ماذا تريد أن تفعل بعد الآن ، تعال أنت فخاطب فخري باشا ، فاقترب الجزائري من آلة الهاتف وطلب مخابرة فخري باشا ، فلم يسمع غير هذه الكلمة (غير ممكن ) فرفع يده مهدداً غاضباً ، ورمى الآلة فحطمها ، والتفت إلى أمين لطفي فقال له هلّم بنا .

وتقدم رضا باشا من الشهيد سليم الجزائري فصافحه ، وعاد أدراجه ليحضر مشهد إعدامه بصفته الرسمية ، وكان الجزائري مهاباً محترماً في الجيش ، حتى أنهم كانوا يحترمونه ويهابونه وهو سجين في الديوان العرفي ، بل إن رهبتهم منه لم تنقص حتى ساعة إعدامه .

ومشى الضابطان معاً بثيابهما العسكرية إلى أرجوحة الأبطال ، وكانت مهاميز أحذيتهما الطويلة ترن على بلاط الشارع،وكانت قد مرت على ساعة على إعدام الاثني عشر شهيداً قبلهما ، وكان نور الفجر قد أضاء الكون الحزين ، وقد حاول أفراد الشرطة ان ينتزعوا ( قلبق ) الشهيدين عن رأسيهما ، والشارات العسكرية عن أكتافها ، فأبيا ، وأمرهم رضا باشا بالكف عن ذلك .

صعد الشهيد سليم الجزائري أولاً إلى منصة الإعدام ، وتكلم بما يجب مع رضا باشا ، وتقدم الشرطي ليضع الحبل في عنقه ، وأراد أن ينتزع نظارتيه عن عينيه فمانع .

ثم جاء دور الشهيد أمين لطفي الحافظ ، فصعد إلى منصة الإعدام وهو يضحك ، وارتبك الجلاد وهو يضع الحبل في عنقه ، فأخذه الشهيد الجريء من يده ووضعه هو بنفسه في عنقه ، ولكن الجلاد رفس الكرسي من تحت رجليه ، قبل أن يمكن الشهيد الحبل من جوزة العنق .

النص الكامل لوصية احد شهداء..

كتب بعض شهداء ايار وصيتهم الاخيرة وكانت تركز في معظمها في امور شخصية ، حيث كان من المحظر عليهم ان يكتبوا في السياسة او بالشأن العام ، وننشر هنا مضمون وصية الشهيد رفيق رزق سلوم كتبها لاهله قبل اسبوعين من استشهاده مع قافلة الشهداء الذين اعدموا في دمشق وبيروت.

نص الوصية

سلام وتحية وبعد: فهذه قصتي إليكم أحببت أن أذكر لكم تاريخ سجني باختصار، وأوصيكم ببعض أمور لا بد منها، لأنني متيقن من زمن غير بعيد، أن وقت الموت قد قرب، وأنه لا بد أن تشيع بعض إشاعات لا صحة لها، لذلك أحببت أن أذكر لكم كل شيء كما وقع تماماً.

ألقت الحكومة القبض عليّ في 14 أيلول شرقي قبل الظهر بساعة، وأوقفتني بسجن الضباط وبقيت هناك خمسة أيام لا أعرف سبب سجني، ويوم الجمعة صباحاً أخذوني إلى عاليه للاستنطاق فسألوني عن تاريخ حياتي في الآستانة، وتاريخ حياتي في دمشق وعن علاقتي مع المرحوم عبد الكريم الخليل، لأنهم ادعوا بأنني كاتم أسراره، وأنني كاتب عبد الحميد الزهراوي الخاص، وأن لي قصائد وأناشيد وطنية أحض فيها الناشئة العربية على طلب الاستقلال، هذه التهمة الموجهة إليّ، وقد دفعت هذه التهم بالحجة القاطعة، وعرفت الذين وشوا بي من بيروت ومن طرابلس الشام، ثم زاد الطين بلة، أحد رفاقي المسجونين معي، وهو رشدي من غزة، فكان يتظاهر أمامنا بالصداقة، ويذهب إلى الديوان العرفي فيفتري عليّ بعض أمور لكي يظهر إخلاصه للحكومة ويخلص من الإعدام، لأنه اعترف عن نفسه صراحة ولم يبقى له وسيلة ينقذ بها حياته إلا التجسس.

ثم بعد ذلك جاء أخي العزيز شاكر إلى عاليه، وأرسلني ديوان الحرب إلى القدس لأنهم لم يجدوا علي دليلاً يثبت دعواهم، وقالوا إن الذي أمر بتوقيفي جمال باشا، وأن مسألتي تتعلق به رأساً، فحبسوني بالقدس خمسة أيام عند قومندان المركز، ثم استدعاني الباشا وألقى علي نفس الأسئلة التي ألقيت عليّ في الديوان، وتهددني بالضرب وأنواع العذاب، فأجبته نفس الأسئلة التي أجبتها في الديوان، فغضب كثيراً، ثم استدعاني إليه ثانية وحاول أن يقنعني لأقص عليه شيئاً عما قام في ذهنه من الخيالات الوهمية، فأكدت له أنني بعيد عن السياسة بعد السماء عن الأرض، وحينئذ أمرهم بأن يعذبوني، فأخذني الضابط نور الدين ومعه بايرام وجندي آخر إلى غرفة خاصة، وربطوا يدي ورجلي بالحبال، وبدأوا يضربونني ضرباً أليماً، وأغمي عليّ من شدة الضرب ثم أفقت فعادوا إلى ضربي ثانية، فأغمي علي ثانية، ثم أفقت فعادوا إلى ضربي حتى تكسرت في أيديهم عدة عصي، وأغمي عليّ ثالثة وأنا أقول لهم لا أعرف شيئاً، ثم أعطاني الضابط نور الدين قلماً وورقة، وكلفني أن أعترف، وأعطاني فرصة مقدار ساعة قال لي: إذا لم تعترف أحضر آلة لقلع الأظافر، فأقلع أظافرك وأطيل عذابك، حتى تموت وأطرحك في الوادي للوحوش، فرأيت أن إصراري بهذه الصورة يجعلهم يتوهمون أنني عالم ببعض الأمور وأصر على إنكارها، فوعدته أنني عزمت على الاعتراف، ورجوت أن يمهلني إلى الصباح لأن رشدي ضاع من شدة الألم، فأخذت وكتبت له بالورقة بأن المرحوم عبد الكريم الخليل كان كلفني من ست سنوات الدخول في جمعيته، فرفضت طلبه، وإنني لا أعلم شيئاً غير ذلك، وذكرت له في الورقة تاريخ الإصلاحات، وأني كنت من حزب عبد الحميد الزهراوي صديق الحكومة الذي رضي بالإصلاح بالرغم من معارضة كثيرين.

وبعد أن قرأ الورقة ضربها في وجهي وقال هذا لا يكفي، فقلت له أن لي علاقة بجمعية أخرى ولكنها ليست سياسية، ومقصدها تشويق الطلاب ليذهبوا إلى أوروبا ويتعلموا فيها، وليس في ذلك ما يخالف قانون الحكومة أو إدارتها، ثم ذكرت له أنني استعفيت من هذه الجمعية أيضاً، وقدمت استقالتي إلى صديقي سيف الدين الخطيب، وهذا أرسل استعفائي إلى توفيق الناطور في بيروت، وكان سيف الدين حاضراً فاعترف أمام الباشا أنني استعفيت وأن الجمعية المذكورة لا تشتغل بالسياسة، وبعد هذا الحادث بيومين رجعت إلى عاليه وبقينا نحو خمسة وثلاثين يوماً ما سألونا عن شيء.

وحضر جمال باشا فأمر أن يستنطقونا من جديد، فشرعوا يتهددونا بالضرب، لأنهم رغبوا أن نوافقهم على بعض الإقرارات فرفضنا بتاتاً، وهكذا استنطقونا وقضينا أثناء الاستنطاق من العذاب ما يشيب له رأس الطفل، وكانت الحكومة في أثناء ذلك توسع دائرة التحقيقات بواسطة جواسيسها وهم (……) وغيرهم من الجواسيس، وقضينا هذه المدة ننتظر الإعدام يوماً فيوماً، أما عن حمص فلم تسألني الحكومة شيئاً لأني قلت لهم أني خرجت من حمص صغيراً، ولا معرفة لي بأحد منها أبداً، وقد صار لي من اليوم ستة أشهر وثمانية أيام ونحن ننتظر الإعدام يوماً فيوماً، لأن الحكومة لا تطبق قوانينها، بل لها سياسة خاصة في هذه الحالة، وإلا فإنه لا يوجد جرم في الحقيقة أبدا، ولكن هذه السياسة قاتلها الله.

هذا هو تاريخ حالتي عن حياتي في السجن، وكنت أتلقى كل هذه الأمور بصدر رحب، وكنت أضحك من هذه الأوهام وأنظر الموت كما ينظر العطشان إلى الماء، لأني مؤمن بالله وبالآخرة، ومعتقد أن الآخرة أحسن من الدنيا وإذا كان في الموت فراق الأحباب، ففي الآخرة أجتمع بوالدي وأختي وأخي وكثيرين من أقاربي، ولا يؤلمني إلا أمر واحد، وهو أنكم تعبتم كثيراً لأجلي، ولم تحصدوا شيئاً من تعبكم، ولكن استشهادي هو أعظم وأشرف نتيجة تحصدونها، فتصوروا أني مسافر إلى أميركا وأني ناجح في أعمالي، وهل نجاح أعظم من هذا النجاح؟ أنتم الآن لا تدركون معنى هذا النجاح ولكن المستقبل سيعرف حقيقتي، وحينئذ ترفعون رؤوسكم افتخاراً.n>

أما من جهة المعيشة فلا أخاف عليكم، لأنكم جميعكم قادرون على تحصيل معاشكم، ولا يوجد عندكم أولاد صغار وعجز، فإياكم والحزن، لأني أكره الحزن والحزانى، وثقوا بأن روحي ترفرف دائماً فوقكم فأرى كل حركة من حركاتكم، فأراكم ولا ترونني، فإذا حزنتم أهرب من عندكم، وإياكم أن تغيروا ثيابكم أو عادة من عاداتكم، ولقد تركت لكم أثراً من بعدي. أذكر منه كتاب الاقتصاد وإذا وجدتم فرصة فاطبعوا كتاب حقوق الدول الذي نشرته في المهذب، ثم اجمعوا المقالات التي كتبتها في المقتطف في رسالات خصوصية، وإني أحمد الله لأنني عشت شريفاً وأموت شريفاً، وأما الجواسيس الذين تكلموا عني فإني أسامحهم، واكتبوا على قبري هذه الأبيات: ((وإن الذي بيني وبين بني أبي))

ثم إنني لا أنسى الجميل والالتفات الذي لقيته في بيت عمي بالشام، وأشكر جميع الأصدقاء الذين ساعدوني في سجني سواء مادة أو معنى، سلام لجميع الأقارب وعليكم أن تعتنوا بتربية أولاد أخي الثلاثة على المبادئ القومية، وعلموهم أن يعيشوا ويموتوا لأجل الوطن.

أما الدين الذي عليّ، فهو خمسمائة ليرة ذهبية لأخي شاكر، جزاه الله عني خيراً، ولا حاجة أن أوصيك يا أخي في العائلة وأن لا يكون موتي سبباً ليأسك، بل كن رجلاً كبيراً كما عرفتك، وما الحياة إلى منام أو خيال ينقضي، فلنجتمع في أحضان سارة وإبراهيم وحيث ندرك أن الدنيا لم تكن سوى منام رأيناه وانقضى وليكن الله معك.

في 22 آذار 1916

رفيق رزق سلوم

===========================

الشهيد عبد الحميد الزهراوي

1871- 1916

ولد عبد الحميد بن محمد شاكر بن السيد إبراهيم الزهراوي بمدينة حمص سنة 1871 من أسرة عريقة ، درس علومه على علماء عصره وأجهد نفسه على التحصيل ومطالعة الكتب في كل فن حتى بلغ في ثقافته شأناً عظيماً.

وفي سنة 1890 ، سافر إلى الاستانة بقصد السياحة ، فأقام بها برهة وجيزة ، ثم سافر منها الى مصر. ليعود الى حمص ويصدر جريدة سماها "المنبر" فكان ينتقد فيها أعمال الحكومة وجورها وعسفها، فتم منعها ومصادرة أعدادها.

وفي سنة 1895 سافر ثانية الى لاستانة بقصد التجارة ، فيما كان المجتمع العربي والوضع السياسي بحاجة اليه، فترك التجارة وعكف على مطالعة العلوم والفنون في دور المكتبة العمومية ، وكان يحرر في جريدة "المعلومات" العربية المقالات الأدبية والإصلاحية.

فوضعه السلطان عبد الحميد تحت المراقبة ثم عين قاضياً لأحد الألوية فلم يقبل، وكان القصد من تعيينه أبعاده عن جو العاصمة للحد من دعاياته وأفكاره المؤثرة. وبعد أن أوقف تحت المراقبة أربعة أشهر أرسل إلى دمشق (بإقامة جبرية) براتب شهري قدره خمسمائة قرش ذهبي.

تآليفه: وفي خلا ل إقامته بدمشق كتب رسالة في الإمامة ورسالة في الفقه والتصوف نقد بعض المسائل فيها وبحث في الاجتهاد، فثار عليه العامة بإغراء بعض المحرضين من العلماء، ولما جمعهم الوالي ناظم باشا في مجلسه للمباحثة والمناظرة في موضوع رسالته تغلب عليهم بقوة حججه الدامغة .

ولما عجزوا عن إدراك غايتهم عمدوا الى التلفيق ، فكانت الايحاءات السياسية المسندة اله كافية لابعاده عن دمشق التي أقام فيها سنة وستة اشهر، فأرسل مخفوراً الى استانبول وأقام فيها نصف سنة ، ثم ارسل محفوظاً الى وطنه حمص (بإقامة اجبارية ) ، وانتج هنا عدة مؤلفات منها كتاب (نظام الحب والبغض) وترجمة السيدة خديجة أم المؤمنين ورسالة في النحو وأخرى في المنطق وغيرها في علوم البلاغة والمعاني والبيان والبديع وكتاب في الفقه وله مخطوطات كثيرة بقيت مسودة بخطه تم اتلافها عندما جيء به من الاستانة الى الديوان العرفي في "عالية" ( مكان المحكمة التي قضت باعدامه ) وله شعر لطيف في كل باب.

وفي سنة 1902 ميلادية ضاق ذرعاً من إقامته الاجبارية ففر هارباً من حمص الى مصر واشترك في إدارة تحرير جريدة المؤيد المصرية ونشر فيها مقالات مفيدة مشهورة ، ولما حصل الانقلاب العثماني واعلن الدستور عام 1908 ، انتخب عن حمص نائباً في مجلس (المبعوثين) – النواب- وكان صوته في المجلس أقوى الأصوات في سبيل خدمته أمته وبلاده.

وفي خلال الدورة الأولى لمجلس المبعوثين اصدر الزهراوي في الاستانة جريدة "الحضارة" وكان من مؤسسي حزب الحرية والائتلاف المؤسس لمعارضة حزب الاتحاد والترقي .

في أول سنة من نيابته وقعت حادثة 31 مارس الشهيرة، فقد حاصر الجند المجلس النيابي بحجة الارتجاع عن الدستور ،وقتل المرحوم محمد بك أرسلان مبعوث اللاذقية برصاص الجند في باب المجلس ، ورمى بعض النواب بأنفسهم من النوافذ العالية فتحكموا خوفاً من القتل، وفر الكثير منهم حفظاً لحياتهم وبقي الشهيد مع بضعة أشخاص ثابتي الجأش وهم يخابرون المراكز بالهاتف ويذكرون الواقعة وما هم فيه من خطر، ويئس الشهيد من هذا الحصار فاخترق صفوف الجند بلا اكتراث حتى وصل الى منزله وانفضّ الجمع.

في أواخر هذه الدورة للمجلس حصلت مناقشة حول المادة (35) من القانون الأساسي ووقع الخلاف الشديد، فانفض المجلس وتجدد الانتخاب ثانية ، فعاد الزهراوي الى وطنه، وأوحت الحكومة الاتحادية بعدم انتخابه نائباً، وعاد الى استانبول وتابع الاشتغال بالصحافة ، وبعدها سافر الى مصر وانتخب رئيساً للمؤتمر الذي انعقد في باريس لمطالبة الحكومة التركية بالاصلاحات اللازمة لبلاد العرب، واهتمت الحكومة الاتحادية لوجوده في باريس فأوفدت وفداً اليه لاقناعه بالعودة واجابة مطالبه، فعاد الى الاستانة وعين عضواً في مجلس الأعيان ليشرف على انجاز وعدهم.

ثم بدأت الحرب العالمية الأولى و أعلى جمال باشا السفاح القائد العام في البلاد السورية الإدارة العرفية، وانتقم من رجالات العرب ونوابغهم.

نص قرار اتهامه والحكم باعدامه: - " كان مؤسساً للمنتدى الأدبي ، ومروّجاً لبرنامجه السري ، وانوجد في رئاسة جمعية اللامركزيين ومذكراتها السرية ، واشترك في مؤتمر باريس رئيساً له بصفته مندوباً عن الجمعية المذكورة ، وتولى إدارة الأملاك التي أوقفها عزت العابد للسعي في تحقيق الاستقلال العربي وعقب المؤتمر ذهب الى مصر وتولى رئاسة اللامركزيين ، وبعد أن عين عضواً في مجلس الاعيان لم يفك ارتباطه باللامركزية ، بل انه لم يقبل عضوية الأعيان إلا بعد صدوره قرار جمعية اللامركزية في ذلك ،وكان في مخابرات مع منسوبي اللامركزية في سورية الى الأيام الأخيرة " .

وفي ليلة السبت 6 ايار 1916 ، اعدم الزهراوي بدمشق الشام مع جملة من وجهاء البلاد السورية بلا محاكمة ولا سؤال. ودفن مقبرة باب الصغيرة بدمشق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alsom3a.ahlamontada.com
 
شهداء 6 ايار .. وايام "سفر برلك"‬
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» "مايكروسوفت" مستخدمي الـ " XP"
» فضيحة شبكة فساد و"شذوذ جنسي" تهز أركان الفاتيكان
» نفرتيتي ..هاتف جديد من "جيفوري" بالشرق الأوسط
» الدجال القذر " أبو الفتوح "يمارس الجنس مع طفلتيه
» صورة" مهند" تتسبب بطلاق زوجين في الأردن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قرية الصومعة :: المنتدى العام :: من هنا و هناك-
انتقل الى: