من عشاق حمص المميزين الشيخ البدوي مجول المصرب الذي أحب دوقة إنجليزية هي جين دغبي واقترن بها أربعين عاماً قبل أن تموت بالكوليرا عام 1885 بعد قصة عشق أسطورية.
أما العشاق الحمامصة المعاصرون فهم كثر، ويأتي في مقدمتهم علم الذي قرأ أهل حمص نعيه منذ عامين وكانوا يظنون أنه قد مات منذ سنوات.
كان علم شخصية مميزة بكل معنى الكلمة، بدءاً من مظهره الذي يتغير من يوم إلى آخر، فيوماً يطلق لحية سوداء غزيرة بلا تشذيب ولا تهذيب، ومرة يتعمم بعمامة بيضاء تظهر وقاره وكأنه شيخ أمضى العمر كله في المساجد وأماكن العبادة والتقوى، ومرات كان يبدو متفرنجاً الى أبعد الحدود، فيلبس بنطالاً أزرق ضيقاً وفوقه قميصاً بألوان قوس قزح ويرسل القميص فوق البنطال بلا أدنى مبالاة، ومرات كان يبدو في صورة عادية جداً، وأخرى في صورة مضحكة للغاية فيحلق ذقنه وشاربيه ويدع شعره ينمو فوق رأسه كالتاج ويظل يعلو حتى يصير كالقبة، وكان منظر شعره أكثر ما يميزه ويلفت الانتباه إليه لمن لا يعرفه، ويقال أن علم عشق صبية من حي باب تدمر المجاور لحيّه، وكان يمضي ساعات طويلة تحت نافذتها وهو يدندن لها الأغاني كواحد من عشاق الترابادور.
لقد كان علم بحراً من المتناقضات، استطاع أن يجمع بين الفلسفة والشعر والموسيقا والعمامة والقفطان والبنطال الأزرق الضيق والقمصان الملونة الزاهية في شخصية عاشق من طراز فريد.
ومن عشاق حمص المميزين أيضاً عبد الرحمن عسكر الذي كان ضخم الجثة، ذا وجه قاسي الملامح مع هيبة واضحة، أما شعره الكث الممتلئ كغابة متشابكة الأغصان فكان يفضي إلى السالفين الطويلين اللذين يصلان إلى ما تحت أذنيه، كما كان يعتمر قبعة كحلية اللون بيريه في حين أن الطربوش كان هو السائد لدى غالبية الرجال في الخمسينات من القرن الماضي.
كان عسكر يتقن اللغة الإنجليزية كأهلها ويعطي دروساً بها لطلاب المدارس الإعدادية والثانوية في مدينة حمص، وقد أشيع عن عسكر انه قد أغرم بالملكة إليزابيث ملكة بريطانيا، إذ كانت آنذاك أي في الخمسينات من القرن الماضي في عز صباها، وفتنة جمالها، ولكونه يجيد الإنجليزية الفصحى إجادة تامة، وتلك ميزة لم يكن يحظى بها إلا القليل من أهل المدينة فقد دبج لها رسالة حب ملتهبة صاغها صياغة إنشائية تعبيرية أودعها كل عواطفه ومشاعره المتأججة إزاء الملكة الشابة التي كانت تحكم البلاد التي لا تغيب عنها الشمس، ومع الرسالة أودع صورة شخصية له بسالفيه الطويلين ووجهه الرجولي المعبر في مغلف أنيق كتب عليه بخط جميل متقن اسم الملكة إليزابيث الثانية، بالإضافة إلى اسم الدولة العظمى، ولندن العاصمة، فالملوك لا يحتاجون إلى عناوين. ويقال انه بعد فترة من الزمن تلقى من الملكة رسالة تشكر له نبل عواطفه مع حوالة مصرفية بمبلغ من المال، ولم يكن الرجل العاشق المتيم سعيداً بهذه الرسالة، فمقصده مختلف تمام الاختلاف، ولعل الملكة أو مكتبها قد أساؤوا فهم رسالته واعتبروها رسالة ولاء من أحد رعايا الملكة المقيم في مدينة حمص من أعمال سوريا دون أدنى الاهتمام بحبه وعواطفه وقلبه المتأجج شوقاً وغراماً للصبية الجميلة الرقيقة التي تسكن قصر بكنجهام.
لقد كان عسكر ينتظر من الملكة أن تبادله حباً بحب وشوقاً بشوق، لا أن تدفع له مبلغاً من المال لا يساوي خفقة من قلب متيم.